تاصيل الاعجاز العلمي




مقدمة دورة: تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة




الفئات المستهدفة:
1- المدرسون.
2- الباحثون
3-المهتمون بالإعجاز العلمي.

مبررات إعداد البرنامج:
1- مواجهة الفتن المرتبطة بمعطيات العلم الحديث.
2- مواجهة الفكر المادي والإلحادي الذي تحمله وسائل الإعلام العالمية.
3- الحاجة إلى تعميق الإيمان وتقوية اليقين في نفوس المؤمنين.

الهدف العام:
التعريف بأصول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، والتعرف على مجالاته، وميادينه، ومصادره، لتكوين اتجاه نحو البحث في حقوله، والاستشهاد بمعجزاته في المقررات الدراسية، والنشاطات العلمية، والدعوية.

الأهداف التفصيلية:1. إدراك أصل الإعجاز العلمي وأهميته.
2. إدراك علاقة العلم بالدين بصفة عامة وبالإسلام بصفة خاصة.
3. إدراك حقيقة الإعجاز العلمي من خلال تحديد مجالاته وميادينه، وعرض نماذج من نتائج بحوثه.

الوحدات:
1. أصيل الإعجاز العلمي.
2. العلم والدين والإسلام.
3. مجالات الإعجاز العلمي وميادينه ومصادر أبحاثه.
الوحدة الأولى: أصل الإعجاز العلمي. (جلستان):
هدف الوحدة: بيان أصل الإعجاز العلمي وأهميته.
(1) الجلسة الأولى: المعجزات وأوجه الإعجاز
هدف الجلسة: بيان المعجزات وأوجه الإعجاز.
الموضوعات:
1.1 مقدمة الدورة.
1.2 المعجزة
1.3 معجزات الرسل.
1.4 معجزة رسول الإسلام.
1.5 أوجه الإعجاز في القرآن الكريم.
(2) الجلسة الثانية: مفاهيم الإعجاز العلمي وأهميته.
هدف الجلسة: ترسيخ مفاهيم الإعجاز العلمي وأهميته.
الموضوعات:
2.1 مفهوم العلم.
2.2 التفسير العلمي.
2.3 الإعجاز العلمي.
2.4 مصادر الإعجاز العلمي.
2.5 الاعتراضات على الإعجاز العلمي.
2.6 قواعد أبحاث الإعجاز العلمي.
2.7 أهمية الإعجاز العلمي في هذا العصر.
الوحدة الثانية: العلم والدين والإسلام. (جلستان):
هدف الوحدة: بيان علاقة العلم بالدين بصفة عامة وبالإسلام بصفة خاصة.
(3) الجلسة الثالثة: الدين والعلم.
هدف الجلسة: بيان مفهومي الدين والعلم والعلاقة بينهما.
الموضوعات:
3.1 مفهوم الدين.
3.2 علاقة الدين بالعلم
3.3 موقف أهل الكتاب من العلم.
3.4 موقف الإسلام من العلم.
3.5 دور علماء المسلمين في نهضة البشرية.
(4) الجلسة الرابعة: العلم بين المفهوم الغربي والمنظور الإسلامي. (100 دقيقة)
هدف الجلسة: بيان طريقة التفكير الإسلامية في المجالات العلمية.
الموضوعات:
4.1 المفهوم الغربي للعلم.
4.2 المفهوم الإسلامي للعلم.
4.3 المقومات الإسلامية للعقلية العلمية.
4.4 نموذج من التفسير الإسلامي للمفاهيم الغربية للعلمية.
الوحدة الثالثة: مجالات الإعجاز العلمي وميادينه ومصادر أبحاثه. (جلستان):
هدف الوحدة: بيان حقيقة الإعجاز العلمي من خلال تحديد مجالاته وميادينه ومصادره، وعرض نماذج من نتائج بحوثه.
(5)الجلسة الخامسة: مجالات الإعجاز العلمي في هرم المعرفة الإنسانية
هدف الجلسة: التعرف على مجالات الإعجاز العلمي في هرم المعرفة الإنسانية.
الموضوعات:
5.1 مجالات الإعجاز العلمي في هرم المعرفة الإنسانية.
5.2 ميادين الإعجاز العلمي وحقوله.
5.3 مصادر أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
(6) الجلسة السادسة: نماذج من نتائج أبحاث الإعجاز العلمي .
هدف الجلسة: تعميق مفهوم الإعجاز العلمي من خلال عرض بعض جوانب الإعجاز في الميادين المختلفة.
الموضوعات:
6.1 نماذج من الإعجاز في ميدان العلوم الطبية.
6.2 نماذج من الإعجاز في ميدان علم الفلك.
6.3 نماذج من الإعجاز في ميدان علوم الأرض والبحار.

يمكن تحميل برنامج متكامل للدورة يتضمن:
1- عرض بوربوينت
2- مادة علمية للمدرب
3 - مادة علمية للتوزيع على المتدربين
4- جدول للأنشطة التدريبية
5- جدول لأنشطة كل جلسة


إعداد د. نبيل عزت أحمد موسى





الجلسة الأولى : من دورة تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة




المعجزات وأنواع الإعجاز
1.1المعجزة:
المعجزة في اصطلاح العلماء:
1. أمر خارق للعادة - أي على غير ما اعتاد الناس عليه من سنن الكون والظواهر الطبيعية.
2. أمر مقرون بالتحدي للمكذبين أو المرتابين.
3. أمر سالم من المعارضة.
فالمعجزة أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.
و يقصد بإعجاز القرآن: إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الآتيان بمثله .
1.2 معجزات الرسل:
لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته : كانت معجزة كل رسول على حسب ما اشتهر به قومه وبرعوا فيه, فكانت معجزة موسى عليه السلام لما اشتهر به قومه من السحر, ومعجزة عيسى عليه السلام لشهرة قومه بالطب, وكانت معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن لقدرة قومه اللغوية وفصاحتهم وبراعتهم بالبلاغة وأسرارها, وكان هذا القران يسير على قواعد اللغة المعروفة, ولكنه يتفرد بنهج خاص في استخدامها_وهذا احد أسرار إعجازه_.
1.3 معجزات رسول الإسلام:
بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين وأيده بمعجزات باهرات وآيات مبصرات فهو أكثر الرسل معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهاناً فله من المعجزات ما لا يحد ولا يعد.
ولما كانت معجزة كل نبي مناسبة لحال قومه وأهل زمانه فإن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمن الفصاحة والبلاغة فأتى قومه بمعجزة يتحدى بها أهل ذلك الاختصاص معجزة تضم معجزات متجددة إلى قيام الساعة إنه القرآن الكريم } لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{ (فصلت:42). بعض معجزات الرسول:
1. الإسراء والمعراج: }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{ (الإسراء:1). 2. انشقاق القمر: " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا"(البخاري ومسلم وغيرهما). 3. خروج الماء من بين أصابعه صلى الله علية وسلم: " عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ مَا لَكُمْ قَالُوا لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا قُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً" (البخاري ومسلم وغيرهما). 1.4 أوجه الإعجاز في القرآن:
1- الإعجاز البياني واللغوي.
2- الإعجاز الخبري (التاريخي).
3- الإعجاز التشريعي.
4- الإعجاز العددي.
5- الإعجاز العلمي.
1 الإعجاز البياني واللغوي:

بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوم برعوا في الفصاحة والبيان، فبقدر التخلف العلمي والحضاري آنذاك كان التقدم الأدبي والبياني بنفس الدرجة أو أشد. وكما جرت عادة الرسل من قبل، جاء كل واحد منهم بمعجزة لقومه فيما برعوا فيه. ومما يزيد من الإعجاب أن هذا الإعجاز اللغوي والبياني جاء على لسان نبي أمي، لم يعرف القراءة، ولم يتعلم الكتابة، ولم يدرس شيئا مما رواه الأقدمون، ولم يتلق علماً في كتاب.
قد ملك القرآن قلوب الكفار إذ ألان قلب عمر قبل إسلامه حين سمع قوله تعالى: }طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{ (طـه: 1-2). يأخذ الإعجاز البياني واللغوي صوراً متعددة منها:
إعجاز النظم: يظل التعبير القرآني جارياً على نسق واحد من السمو في جمال اللفظ، وعمق المعنى وروعة التعبير، رغم تنقله بين موضوعات مختلفة من التشريع والقصص والمواعظ والحجج والوعود والوعيد وتلك حقيقة شاقة، بل لقد ظلت مستحيلة على الزمن لدى فحول علماء العربية والبيان.
دقة الصياغة: بحيث تصلح أن يخاطب بها الناس كلهم على اختلاف مداركهم وثقافتهم وعلى تباعد أزمنتهم وبلدانهم، ومع تطور علومهم واكتشافاتهم .
تداخل أبحاثه ومواضيعه: في معظم الأحيان فإن من يقرأ هذا الكتاب المبين لا يجد فيه ما يجده في عامة المؤلفات والكتب الأخرى من التنسيق والتبويب حسب المواضيع، أو البحوث المستقلة، وإنما يجد عامة مواضيعه لاحقة ببعضها دونما فاصل بينهما، وقد يجدها متداخلة في بعضها في كثير من السور والآيات. والحقيقة أن هذه الخاصة في القرآن الكريم، إنما هي مظهر من مظاهر تفرده، واستقلاله عن كل ما هو مألوف ومعروف من طرق البحث والتأليف .
الإعجاز البلاغي في التشبيهات، والاستعارات، والكنايات وغيرها.
إعجاز نغم القرآن: إنك إذا قرأت القرآن قراءة سليمة، وتلاوة صحيحة. أدركت أنه يمتاز بأسلوب إيقاعي ينبعث منه نغم يبهر الألباب، ويسترق الأسماع، ويسيل الدموع من العيون ويستولي على الأحاسيس والمشاعر، وأن هذا النغم يبرز بروزاً واضحاً في السور القصار والفواصل السريعة، ومواضع التصوير والتشخيص بصفة عامة، ويتوارى قليلاً أو كثيراً في السور الطوال ولكنه ـ على كل حال ـ ملحوظ دائماً في بناء النظم القرآني.
2 الأعجاز الخبري (التاريخي):
ورد في القرآن الكريم ذكر العديد من الأخبار والقصص الدقيقة التي يجب دراسة كل منها والوقوف عند دلالاتها المعجزة. ومن هذه الأخبار والقصص:
· إنتصار الروم البيزنطيين .
· فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
· قصة أهل الكهف .
· نجاة فرعون ببدنه.
· قصة صلب السيد المسيح .
· قوم عاد .
· اسم النبي محمد في كتب النصارى
· و قالت اليهود عزير بن الله .
· قصة طوفان نوح عليه السلام.
3 الإعجاز التشريعي:
أشتمل القرآن على كثير من المبادئ السامية التي تدل على عظمته وأصالته ومنها :
· حقوق الإنسان: إذا كان الغربيون يتباهون بأن حضارتهم كانت أول حضارة سبقت و أعلنت حقوق الإنسان رسمياً في مختلف دولها لأول مرة في التاريخ في القرن العشرين وضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و يعتبرونه النموذج المثالي لهذه الحقوق فإنهم نسوا أو تناسوا أن القرآن الكريم قد قرر هذه الحقوق منذ أربعة عشر قرناً بأسمى مبدأ للبشرية جمعاء يقول تعالى : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ (الحجرات:13). والخطاب في هذه الآية موجه للناس جميعاً و أنهم خلقوا على اختلاف أجناسهم و ألوانهم و دياناتهم من رجل واحد و امرأة واحدة و أنهم متساوون في الميلاد و الأصل ، والقرآن بهذه الآية يركز على وحدة الجنس البشري و لا فضل لأحد إلا بالتقوى . · مبدأ حرية العقيدة و الرأي في قوله تعالى: } لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ (البقرة:256). و قوله تعالى: } قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ *وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{ (الكافرون:1-6). · قواعد عادلة في المعاملات، في قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...{ (المائدة:1). و قوله تعالى : } وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا...{ (النحل:91). وقوله تعالى : } ... إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ...{ (البقرة:275) وقوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ...ٌ{ (البقرة:282) · قوانين الأحوال الشخصية: و هي قواعد عادلة و مستقرة لتعلقها بِأحوال الإنسان الشخصية في الأسرة، فوضع الشرع لها نظاماً كاملاً مفصلاً في مسائل الزواج و الطلاق و الحمل و العدة و الرضاع و النفقة و الميراث وحقوق الأبناء وذوي القربى وتوسع في أحكامها الكلية وجعلها مرنة قابلة لاجتهاد المجتهدين من الفقهاء في استنباط أحكامها بما يساير الزمان والمكان. · القانون الجنائي: وهو بحق أعظم برهان يدل على عظمة القرآن في تشريعه حدود الجرائم التي بين نوعها وحدد عقوباتها التي تتمثل فيها العدالة والحكمة والرحمة بما فيه الكفاية للردع والزجر بصورة تكفل الأمن والسلام للعباد والبلاد.



الجلسة الثانية : من دورة تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة



مفاهيم الإعجاز العلمي وأهميته
2.1 مفهوم العلم:
لا يوجد تعريف دقيق مجمع عليه للعلم؛ فالتعريفات تتفاوت تبعاً للمدرسة الفكرية التي ينتمي إليها صاحب التعريف. ولغرض الوصول إلى مفهوم للعلم يساعد على فهم مصطلح الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، يمكن القول: أن العلم هو استخدام منهج للبحث العلمي، لإدراك الشيء علي ما هو عليه؛ وتحقيق منجزات محددة. والعلم بهذا المعنى؛ يتميز بخصائص عامة أهمها الآتي:
1. وجود منهج للبحث العلمي: يطلق مصطلح منهج البحث العلمي على كل محاولة يبتغى منها الوصول إلى حقيقة علمية, حتى ولو دخلت في مجال الفرضيات التي لم يؤيدها الدليل العلمي. وينطلق البحث العلمي في أغلب حالاته من الفرضيات, فالنظريات, فالقوانين والحقائق العلمية.
2. القانون العلمي: هو الحصيلة التي تنتهي إليها تجارب البحث العلمي. وخضوع هذا القانون للتطور, لا يلغي منه سمة العلم وقيمته. كما لا يكون سببا في زج الباحث في تهمة الخطأ, ما دام أنه يتعقب الأوضاع التي يتنقل خلالها، ومن ثم فهو جهد مشكور.
3. إمكانية استخدام المنطق العقلي في استنتاج وتفسير نتائج التجارب، وتكون هذه الاستنتاجات قابلة للتغير من وقت إلى آخر وإن وصفت بأنها قوانين علمية.
4. إمكانية استخدام النماذج الرياضية أو الطرق الإحصائية. فهناك نتائج للتجارب قائمة على نماذج رياضية بنيت على افتراضات، ومع ذلك تسمى النتائج قوانين أو حقائق علمية لمجرد أن افتراضات معينة تعطي نتائج أفضل من غيرها.
5. إمكانية استخدام المنهج التجريبي. يمكّن المنهج التجريبي من إدراك أشياء بالحس والمشاهدة المباشرة، فتكون المشاهدات حقائق قطعية لا تقبل التراجع عنها.
ونخلص من ذلك إلى أن هناك حقائق علمية مشهودة، وهناك حقائق علمية ظنية. ومن هنا يتحدد دور العلم في مجال الإعجاز العلمي للقرآن والسنة: فالعلم في هذا المجال يتمثل في نتائج البحث العلمي التي يمكن التحقق منها بالحس والمشاهدة، ولا يمكن التراجع عنها.
2.2 التفسير العلمي:
الإعجاز العلمي في القرآن والسنة هو نوع من التفسير العلمي، ولذا وجب بيان المقصود بالتفسير العلمي. فالتفسير العلمي يعني الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء الحقائق العلمية المشهودة. ويتم هذا التفسير في ضوء الضوابط الآتية:
1- التقيد بما تدل علية اللغة العربية، فلابد من:
· مراعاة معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي.
· مراعاة القواعد النحوية ودلالاتها.
· مراعاة القواعد البلاغية ودلالاتها، خصوصاً قاعدة ألاّ يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية.
2- البعد عن التأويل البعيد في بيان التفسير العلمي.
3- ألاّ تجعل حقائق القرآن موضع نظر، بل تجعل هي الأصل: فما وافقها قبل، وما عارضها رفض.
4- ألاّ يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم، لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص. أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها القرآن الكريم؛ لأنها عرضة للتصحيح والتعديل إن لم تكن للإبطال في أي وقت.
2.3 الإعجاز العلمي: (مفهومة، وخصائصه، ووعد الله)

2.3.1 مفهوم الإعجاز العلمي:هو إخبار القرآن الكريم والسنة النبوية بحقيقة علمية مشهودة، وفق الضوابط المذكورة في التفسير العلمي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه سبحانه.
2.3.2 خصائص الإعجاز العلمي:
رأينا أن لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته، لذلك فإن الإعجاز العلمي يناسب خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، المرسل إلى الناس كافة؛ فالإعجاز العلمي يتضمن معجزات تبقى بين أيدي الناس إلى قيام الساعة، وتتجدد مع كل فتح بشري في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي. معجزات مبنية على علم إلهي، وبينة عالمية، تتجدد عبر الزمان، وتشمل أنباء الأرض والسماء، نزلت في عصر انتشرت فيه الجاهلية لتدل على مصدرها الرباني. وبيان ذلك ما يأتي:
2.3.2.1 علم إلهي:
أنزل الله سبحانه القرآن فيه علم إلهي. قال تعالى:
﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ (النساء:166). ﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ ...﴾ (هود:14). ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (الفرقان:6). 2.3.2.2 بينة عالمية:بينة القرآن العلمية يدركها الناس كافة، العربي والأعجمي ، وتبقى ظاهرة متجددة إلى قيام الساعة. يقول تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِين، وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ{ (ص: 87-88) 2.3.2.3 معجزات تتجدد عبر الزمان:شاء الله أن يجعل لكل نبأ زمناً خاصاً يتحقق فيه، فإذا تجلى الحدث ماثلاً للعيان أشرقت المعاني، التي كانت تدل عليها الحروف والألفاظ في القرآن، وتتجدد المعجزة العلمية عبر الزمان، وإلى هذا الزمن أشار القرآن في قوله تعالى:
· ﴿ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُون﴾ (الأنعام:67). · } وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾(ص: 88) 2.3.2.4 معجزات تشمل أنباء الأرض والسماء:تتجلى في عصر الاكتشافات العلمية والتقدم التقني أنباء الأرض والسماء في القرآن والسنة. قال تعالى:
﴿.. قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ...﴾ (يونس: 18 ) ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصلت53). 2.3.2.5 نزول القرآن في عصر انتشار الجهل:لقد نزل القرآن في عصر انتشار الجهل، وشيوع الخرافة، والكهانة، والسحر، والتنجيم، في العالم كله، وكان للعرب النصيب الأوفى من هذه الجاهلية والأمية، كما بين القرآن ذلك بقوله : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة:2). 2.3.3 وعد الله بالبيان:إننا على وعد من الله عز وجل بأن يرينا آياته، فيتحقق لنا – بهذه الرؤية – العلم الدقيق بمعاني هذه الآيات. وعد الله بإظهار آياته في الآفاق، أي في أقطار السموات والأرض، من الشمس والقمر، والنجوم والليل والنهار، والرياح والأمطار، والرعد والبرق، والصواعق، والنبات والأشجار، والجبال والبحار، وغيرها. ويظهر بذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب، الذي هو على كل شيء شهيد. قال تعالى:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت: 53). الحمد لله الذي لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه والإنذار إليه، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا...(النمل:93). 2.4 مصادر الإعجاز العلمي:لما كانت أبحاث الإعجاز العلمي متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية، ومتصلة بشرح الأحاديث في هذه المجالات، فهي فرع من فروع التفسير، وجزء من شرح الحديث وتقوم على مصادر هذين العلمين، ولما كانت قائمة على إظهار التوافق بين نصوص الوحي وبين ما كشفه العلم التجريبي من حقائق الكون وأسراره، فهي كذلك تقوم على مصادر العلوم التجريبية، إلى جانب العلم المتعلق بتاريخها، كما تتصل أيضاً بعلم أصول الدين. وعليه يمكن تلخيص مصادر الإعجاز العلمي في الآتي:
1. القرآن الكريم
2. التفسير
3. شروح الحديث
4. العلوم التجريبية
5. تاريخ العلوم التجريبية
6. علم أصول الفقه
7. علوم اللغة العربية.
2.5 الاعتراضات على الإعجاز العلمي:
يمكن تلخيص الاعتراضات والتحفظات على الإعجاز العلمي في النقاط الآتية:
1. إن القرآن كتاب هداية، وأن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف.
2. إن الإعجاز العلمي بدعة، تعتمد على ركوب موجة العلم الذي نعيشه في هذا العصر.
3. إن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.
4. إن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه على التأويل المتكلف، الذي يتنافى مع الإعجاز.
5. إن التفسير العلمي للقرآن قد يخرج عن معاني الألفاظ العربية، وعن قواعد اللغة العربية النحوية والبلاغية.
أن المقصود الأسمى من القرآن هو الهداية والإرشاد، وهذا لا يمنع أن ترد فيه إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث، وهذا في حد ذاته أحد طرق الهداية. وقد قال تعالى وصفاً القرآن الكريم} ...وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ...{ (النحل:89). ووصف رسول صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم بقوله" ... وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ..." (رواه الترمزي وغيره). وأن القرآن الكريم لا يتجه بالخطاب إلى جيل ومكان معين، بل إلى البشرية كافة، في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة. وقد صرح القرآن بأن قسماً من حقائقه ستظهر بعد زمن التنزيل. } وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾(ص: 88). أما الاعتراضات الأخرى فتتطلب وضع ضوابط للتفسير العلمي، وقواعد لبحوث الإعجاز العملي.
2.6 قواعد أبحاث الإعجاز العلمي:
قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي:
(أ) علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود، يقبل الازدياد، ومعرض للخطأ.
(ب) هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية.
(ج) وفي الوحي نصوص ظنية في دلالتها، وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها.
(د) ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما.
(هـ) عندما يري الله عباده آية من آياته، في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ، ويستقر التفسير، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص، بما كشف من حقائق علمية وهذا هو الإعجاز.
(و) إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتابع في ظهورها جيلا بعد جيل .
(ز) إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص، وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية، لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شيء علما، وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية، وإذا كان النص ظنيا والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها.
(ح) وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية، وبين حديث ظني في ثبوته، فيؤول الظني من الحديث، ليتفق مع الحقيقة القطعية، وحيث لا توجد مجالات للتوفيق فيقدم القطعي .
2.7 أهمية الإعجاز العلمي في هذا العصر:
1- تجديد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية :
إذا كان المعاصرون لرسول الله قد شاهدوا بأعينهم، كثير من المعجزات، فإن الله أرى أهل هذا العصر، معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم، ويتبين لهم بها أن القرآن حق، وتلك البينة المعجزة هي: بينة الإعجاز العلمي، في القرآن والسنة، وأهل عصرنا لا يذعنون لشيء مثل إذعانهم للعلم، وبيناته ودلائله، على اختلاف أجناسهم وأوطانهم وأديانهم، وأبحاث الإعجاز كفيلة بإذن الله بتقديم أوضح الحجج، وأقوى البينات العلمية، لمن أراد الحق من سائر الأجناس. وفي حجج هذه الأبحاث قوة في اليقين، وزيادة في إيمان المؤمنين .﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال:2). وظهور هذه البينات العلمية، يسكب الثقة مرة ثانية، في قلوب الذين فتنهم الكفار من المسلمين عن دينهم باسم العلم؛ الذي قام عليه التقدم والحضارة. 2- تصحيح مسار العلم التجريبي في العالم :
لقد جعل الله النظر والتفكر في المخلوقات؛ الذي يقوم عليه العلم التجريبي طريقاً إلى الإيمان به، ولكن أهل الأديان المحرفة كذبوا حقائقه، وسفهوا طرقه، واضطهدوا دعاته، فواجهتهم حملة العلوم التجريبية، بإعلان الحرب على تلك الأديان، فكشفوا ما فيها من أباطيل، وأصبحت البشرية في متاهة، تبحث عن الدين الحق؛ الذي يدعو إلى العلم، والعلم يدعو إليه. إن بإمكان المسلمين أن يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم، ووضعه في مكانه الصحيح، طريقاً إلى الإيمان بالله ورسوله، ومصدقا بما في القرآن، ودليلا على الإسلام، وشاهدا بتحريف غيره من الأديان.
3- تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية، بدافع من الحوافز الإيمانية:
إن التفكر في مخلوقات الله عبادة، والتفكر في معاني الآيات والأحاديث عبادة، وتقديمها للناس دعوة إلى الله، وهذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. وهذا من شأنه أن يحفز المسلمين إلى اكتشاف أسرار الكون؛ بدوافع إيمانية، لعلها تعبر بهم فترة التخلف؛ التي عاشوها فترة من الزمن، في هذه المجالات. وسيجد الباحثون المسلمون، في كلام الخالق عن أسرار مخلوقاته، أدلة تهديهم أثناء سيرهم في أبحاثهم، وتقرب لهم النتائج، وتوفر لهم الجهود .
واجب المسلمين: وإذا علمنا أهمية هذه الأبحاث في تقوية إيمان المؤمنين، ودفع الفتن التي ألبسها الكفار ثوب العلم، عن بلاد المسلمين، وفي دعوة غير المسلمين، وفي فهم ما خوطبنا به في القرآن والسنة، وفي حفز المسلمين للأخذ بأسباب النهضة العلمية، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفايات. وصدق الله القائل:﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾(البينة:1). 4- تصحيح الخرافات حول الكون: تصحيح ما شاع بين البشرية، في أجيالها المختلفة، من أفكار باطلة، حول أسرار الخلق، وهذا لا يكون إلا بعلم من أحاط بكل شيء علما.
5- مواجهة الإلحاد:إن بيان الإعجاز العلمي في القرآن يضح الإلحاد والملحدين موضع العجز عن التشكيك في القرآن إلا أن يتبرأ من العقل. فإن الحقيقة العلمية والتي لم تكتشف إلا حديثاً والتي جاء ذكرها في القرآن لابد أن تقوم عند كل ذي عقل دليلاً محسوساً على أن خالق هذه الحقيقة الكونية هو منزل هذا القرآن على عبده ورسوله.


الجلسة الثالثة : من دورة تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة




الدين والعلم
3.1 مفهوم الدين:
الدين هو معرفة توصل إلى تصور اعتقادي يحدد منهج الحياة. فإن كانت المعرفة منبثقة عن علم رباني؛ وصف منهج الحياة بأنه (دين الله). وإن كانت المعرفة منبثقةً عن تصور مذهبي أو فلسفي، لشعب، أو لحاكم...الخ فينسب المنهج (الدين) إلى مصدره، مثل ما ورد في قصة يوسف عليه السلام } ... مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ...{ (يوسف:76). عناصر التعريف:
· معرفة: ما يعرفه الإنسان من العلم الرباني، ومن التصورات البشرية.
· التصور الاعتقادي: التصور الذي يفسر حقيقة الوجود، ويحدد مكان الإنسان في هذا الوجود، كما يحدد غاية وجوده الإنساني.
· منهج الحياة: المنهج الذي يُصرّف حياة الناس، ويتكون من مجموعة التعاليم (الشريعة) المنبثقة من التصور الاعتقادي؛ التي تبنى عليها النظم الواقعية في الحياة، مثل النظام الأخلاقي، والنظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي. فنرى في هذا العصر أصحاب المذاهب والنظريات والفلسفات الاجتماعية لا يتحرجون من التصريح بأنهم يقررون عقائد؛ ويريدون أن يأخذ الناس بها في واقع الحياة؛ ويريدون إحلال هذه العقائد الاجتماعية أو الاقتصادية أو الوطنية أو القومية محل العقيدة الدينية.
· دين الله: هو الوحي الإلهي الموجه إلى الناس كافة في كل زمان ومكان لمعرفة الله وطاعته، ولا يقبل أي تغيير أو تحويل مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال. ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم لا يستعمل كلمة الدين بصيغة الجمع مطلقاً، فلا يقول: " الأديان " و إنما يذكره بصيغة المفرد، كما في قوله سبحانه : } إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ...{ (آل عمران: 19). في حين أن "الشريعة" تعني مجموعة التعاليم التي تنظم الحياة ويمكن أن ينالها التغيير مع مرور الزمن وتطوّر المجتمعات وتكامل الأمم، ولذلك لا يضير استعمال هذه اللفظة في صورة الجمع، فيقال "شرائع" وقد صرّح القرآن الكريم باختلاف الشرائع، قبل الرسالة الخاتمة. } ... لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ...{(المائدة: 48) · دين غير الله: إن سائر مناهج الحياة وأنظمتها الواقعية، يسميها أصحابها (عقائد) ويقولون: (عقيدتنا الاجتماعية) أو(عقيدتنا الوطنية) أو(عقيدتنا القومية).. وكلها تعبيرات صادقة في تصوير حقيقة الأمر: وهو أن كل منهج للحياة أو كل نظام للحياة هو (دين) هذه الحياة، ومن ثم فالذين يعيشون في ظل هذا المنهج أو في ظل ذلك النظام.. دينهم هو هذا المنهج أو دينهم هو هذا النظام.. فإن كانوا في منهج الله ونظامه فهم في (دين الله).. وإن كانوا في منهج غيره، فهم في (دين غير الله).
3.2 علاقة الدين بالعلم:
الدين كما سبق بيانه "معرفة توصل إلى تصور اعتقادي يحدد منهج الحياة". ولبيان علاقته بالعلم ينبغي التمييز بين دين الله، ودين غير الله. حيث تتحدد هذه العلاقة في ضوء خصائص الدين.
3.2.1 خصائص دين الله: يتميز دين الله بالخصائص الآتية:§ وحي من الخالق يتفق مع فطرة المخلوق.
§ تقديم شامل وكامل وحكيم من عند الله لمنهج ثابت ارتضاه الله لحياة البشر المتجددة.
§ منهج كلي يمكن الناس من التوافق مع نواميس الكون، وفطرة الوجود، وفطرتهم هم أنفسهم. وينتج عن مخالفة البشر له آلام ودمار ونكال في الدنيا والآخرة.
§ يقدم التفسير الشامل والكامل للوجود، وعلاقته بخالقه العظيم، ولمركز الإنسان في هذا الوجود؛ ولغاية وجوده الإنساني.
§ يحدد غاية وجود الإنسان بعبادة الله؛ من خلال الخلافة في الأرض وعمارتها، وإقامة دين الله، والدعوة إلى الله.
3.2.2 خصائص دين غير الله: يتميز دين غير الله بالخصائص الآتية:§ ناتج من تجارب بشرية معتسفة. تدور هذه التجارب في حلقة التصور البشري الذي يشوبه الجهل(بدل العلم)، والنقص (بدل الكمال)، والضعف (بدل القوة)، والهوى (بدل الحكمة).
§ يتصادم في كثير من الأحيان مع نواميس الكون والفطرة السليمة.
§ يعطي في كثير من الأحيان تفسيرات افتراضية للوجود، ولمركز الإنسان في الوجود، وغاية وجوده.
§ تتحدد غاية وجود الإنسان بصور تختلف من دين إلى آخر.
3.2.3 وفي ضوء ما تقدم تتحدد علاقة الدين بالعلم على النحو الآتي:
§ دين الله جزء من علم الله، يتعلمه الناس، ودين غير الله جزء من تصور الإنسان.
§ يوجه الدين نشاط الإنسان في الحياة؛ ويتضمن ذلك نشاطه العلمي الذي يتحدد في ضوء تصوره الاعتقادي.
§ يحدد الدين دور الإنسان في الحياة، ويحدد هذا الدور مكانة العلم في حياة الإنسان، وأخلاقيات العلم وأولياته وغاياته.
3.3 موقف أهل الكتاب من العلم:

ارتبط موقف أهل الكتاب من العلم بما حدث في كتبهم من تبديل وتحريف. وتبلور الموقف على شكل حرب معلنة، وانتهى بهزيمة منكرة لدينهم أمام العلم. وقد لخص سيد قطب هذا الموقف في كتاب المستقبل لهذا الدين في النقاط الآتية:
1) جاءت اليهودية لتكون منهجاً لحياة بني إسرائيل، كذلك جاءت النصرانية - بعد اليهودية - لتكون المنهج المعدل لبني إسرائيل. ولكن اليهود لم يقبلوا رسالة المسيح-عليه السلام- ولم يقبلوا منه التخفيف الذي جاءهم به من عند الله. وهو يقول لهم-كما حكى القرآن الكريم: } وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ{ (آل عمران:50). 2) انفصل الإنجيل عن التوراة بسبب الفرقة والحقد والبغضاء بين أتباع عيسى عليه السلام واليهود، وبقيت التوراة وكتبها معدودة عندهم من الكتاب المقدس- وانفصلت شريعتهم عن شريعة التوراة. بينما جسم الشريعة لبني إسرائيل كلهم في التوراة.. وبذلك لم يعد للنصرانية بهذا الانفصال شريعة مفصلة تنظم الحياة!
3) كان التصور الاعتقادي-كما جاء به المسيح عليه السلام من عند الله- كفيلاً- لو ظل سليماً- أن يقدم التفسير الصحيح للوجود، ولمركز الإنسان في هذا الوجود، ولغاية وجوده الإنساني.. وكفيلاً برد النصارى إلى الشريعة التي تضمنتها التوراة، مع التعديلات التي جاء بها المسيح للتخفيف في بعض تكاليف العبادة وتكاليف الحياة.
4) وبعد عهد طويل من الاضطهاد الفظيع لأتباع عيسى عليه السلام. سواء من اليهود المنكرين، أو من الرومان الوثنيين، الذين كانوا يحكمون وطن المسيح، انتهى الأمر إلى رواية نصوص الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى-عليه السلام- في ثنايا روايات عن حياته وأعماله؛ يختلف بعضها عن بعض؛ فيما سمي بالأناجيل.. وهي كلام تلاميذ المسيح ورواياتهم عن حياة المسيح، متضمنة في ثناياها بعض ما يروى من كلام السيد المسيح..
5) احتجزت (الكنيسة) لنفسها حق فهم (الكتاب المقدس) وتفسيره، وحظرت على أي عقل من خارج (الكهنوت) أن يحاول فهمه أو تفسيره. ودسوا في كتبهم الدينية المقدسة، معلومات بشرية، ومسلمات عصرية، عن التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية، ربما كانت أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر، وكانت حقائق راهنة لا يشك فيها رجال ذلك العصر، ولكنها ليست أقصى ما وصل إليه العلم الإنساني. فدرس رجال الدين كل ما تناقلته الألسن، واشتهر بين الناس، وذكره بعض شراح التوراة والإنجيل ومفسريها من معلومات جغرافية وتاريخية وطبيعية. وصبغوها صبغة دينية، وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التي يجب الاعتقاد بها، ونبذ كل ما يعارضها، وألفوا في ذلك كتباً، وسموا هذه الجغرافيا التي ما انزل الله بها من سلطان، وكفروا كل من لم يدن بها.
6) كان ذلك اكبر جناية على الدين حيث كان سبباً للكفاح المشئوم بين الدين والعقل والعلم، الذي انهزم فيه دينهم هزيمة منكرة، ذلك الدين المختلط بعلم البشر، الذي فيه الحق والباطل، والخالص والزائف.. ، وسقط رجال الدين سقوطاً لم ينهضوا بعده.
7) وشر من ذلك كله وأشأم: أن أوروبا أصبحت لا دينية. وكان ذلك في عصر حطم علماء الطبيعة والعلوم سلاسل التقليد الديني. فزيفوا هذه النظريات الجغرافية التي اشتملت عليها هذه الكتب وانتقدوها في صرامة وصراحة، واعتذروا عن عدم اعتقادها والإيمان بها بالغيب؛ وأعلنوا اكتشافاتهم واختباراتهم.
8) فقامت قيامة الكنيسة، وقام رجالها المتصرفون في زمام الأمور في أوروبا وكفروهم، واستحلوا دماءهم وأموالهم في سبيل الدين المسيحي، وأنشأوا محاكم التفتيش، التي تعاقب-كما يقول البابا-(أولئك الملحدين والزنادقة الذين هم منتشرون في المدن والبيوت والأسراب والغابات والمغارات والحقول!).. ( ويقدر أن من عاقبت هذه المحاكم يبلغ عددهم ثلاثمائة ألف. احرق منهم اثنان وثلاثون ألف أحياء! كان منهم العالم الطبيعي المعروف (برونو)، نقمت منه الكنيسة آراء من أشدها قوله بتعدد العوالم، وحكمت عليه بالقتل، واقترحت بان لا تراق قطرة من دمه! وكان ذلك يعني أن يحرق حياً! وكذلك كان! وكذلك عوقب العالم الطبيعي الشهير (جاليليو) بالقتل لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس!.
9) تقول التوراة المحرفة إن الشجرة التي منع آدم من أكلها هي شجرة المعرفة، وعندما أكل منها ازداد بصيرة وغضب الله عليه وطرده من رحمته.
من نتائج هذا الموقف:
· لا يمكن لمفكر غربي لا يعرف إلا الدين المحرف لأهل الكتاب، أن يقبل أن يكون هناك لقاء بين دينهم وبين العلم.
· أصبح العلم وما نتج عنه من حضارة مادية ديناً للحضارة الغربية. وطغى العلم على العقول واستعبد الأفكار في مملكة الجماد.
· معاناة الحضارة الغربية، بمذاهبها جميعاً، وبأنظمتها جميعاً.. من الخواء الذي تختنق فيه روح (الإنسان)، وتنهدر فيه قيمة (الإنسان)، وتنحدر فيه خصائص (الإنسان).. بينما تتكدس (الأشياء) وتعلو قيمتها، وتطغى على كل قيمة للإنسان!
· أصبحت الغاية من وجود الإنسان في الحياة عندهم: التمتع بالحياة المادية فقط، ينتقل الإنسان من نعيم إلى ترف، ومن لهو إلى لذة.
· انحراف منطلقات العلم ومساراته، وتوجيهه بعض مسارات الحياة إلى الدمار والفساد والسيطرة والهيمنة.
3.4 موقف الإسلام من العلم:
أثبت الإسلام أن (الدين) ليس بديلاً من العلم والحضارة. ولا عدوّاً للعلم والحضارة. إنما هو إطار للعلم والحضارة، ومحور للعلم والحضارة، ومنهج للعلم والحضارة، في حدود إطاره ومحوره الذي يحكم كل شؤون الحياة. ويمكن تلخيص ذلك في النقاط الآتية:
1) كرم الإسلام العلم والعلماء، وجعل العلماء هم الشهود على أن لا إله إلا الله بعد الملائكة كما جاء في قوله تعالى: } شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ (آل عمران:18). 2) أن الصفة التي كرم الله آدم بها على الملائكة هي صفة العلم، وأن القصة عندنا في القرآن تعاكس الذي جاء عندهم في التوراة بعد أن حرفوا قول الله جل وعلا. إن العلم هو سبب تكريم آدم لا سبب طرده، هذا ما يقرره القرآن.
3) كان الإسلام إعلاناً لحرية العقل البشري تجاه الكون المادي، وقوانينه، وقواه، ومدخراته. وكان الإيذان العام بانطلاق هذا العقل ليعمل ويبدع في ذلك الملك العريض الذي استخلفه ربه فيه. وكانت هذه إحدى الحقائق التي تضمنها التصور الإسلامي عن حقيقة علاقة الخلق بالخالق؛ ومركز الإنسان في هذا الكون.
4) ازدهرت في ظل الإسلام حضارة كاملة بكل مقوماتها الإبداعية التي كانت تتيحها لها الأدوات والوسائل في حينها -والأدوات والوسائل قابلة دائماً للتطور والترقي- والإسلام يدفع هذا النمو ويقوده، ولكنه يحفظه دائماً داخل إطار الفطرة؛ لا يصطدم بطبيعة الإنسان وخصائصه الثمينة، ولا يحطمها ويكبتها، كما فعلت الحضارة المعاصرة!
5) أنشأ الإسلام المنهج التجريبي، الذي انتقل إلى أوربا من جامعات الأندلس؛ وبهذا يظل (الإنسان) هو سيد (المادة) بضمانة من المنهج الذي أبدعه له مبدع الإنسان والمادة. وبالتصور الذي يشعره بكرامته على الله؛ كما يشعره بعبوديته لله. وفي الوقت ذاته يشعره بأنه مستخلف في هذا الملك العريض 00
من نتائج هذا الموقف:
· فتح الباب أمام الإبداع والابتكار في إطار الضوابط الربانية، التي توجه مسارات العلم لخدمة الإنسانية.
· ازدهار العلوم في ظل العلاقة الواضحة بين العقيدة والعمل، وتصور واضح للعبادة فأصبح تحصيل العلم والعمل به أحد صورها، وتبلورت أخلاق البحث العلمي الإسلامي، الذي يجعل العلم دليلاً على قدرة الله، وسبيلاً للوصول إلى الحقيقة.
· تحول المسلمون من أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، وتستعيض عن ذلك بالحفظ، إلى أمة تحفظ وتقرأ وتكتب وتحسب، وتترجم العلوم، وتهذب تلك العلوم، وتضيف عليها، وتخترع الكثير بصورة غير مسبوقة.
· تحقيق التوازن بين الجوانب المادية والفكرية والروحية في حياة الإنسان، حيث كانت النهضة العلمية في جميع المجالات.
· بعد توقف تقدم الأمة الإسلامية لأسباب داخلية وخارجية، شرع الغرب في بناء حضارته العلمية على ما وقف عنده المسلمون. وفصل بين العلم والدين، ولم يكن نزيهاً في اقتباسه وإفادته من علوم المسلمين، حيث نسب كثيراً من اكتشافات علماء المسلمين إلى علمائه، مع قليل من اعترافاتهم بسبق المسلمين في ذلك.
3.5 دور علماء المسلمين في نهضة البشرية:
بينما كانت أوربا تعيش في ظلام العصور الوسطى، كانت الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها. لقد أسهم الإسلام في تقدم العلوم في جميع المجالات الكونية والإنسانية.
وعموما يمكن أن نستعرض جملة من جهود العلماء المسلمين في مختلف الحقول العلمية, كالطب والكيمياء والجبر والهندسة والفلك والجغرافيا والتاريخ والحكمة, وتبرز هنا أسماء جابر بن حيان الكوفي الذي علمه أستاذه الإمام الصادق كيفية استخدام المنهج التجريبي في الكيمياء, والخوارزمي في الرياضيات والفيزياء, والفرغاني في الفلك, والمقدسي في الجغرافيا, والبيروني في كثير من العلوم النظرية والإنسانية وابن خلدون في التاريخ وعلم الاجتماع, وابن سينا في الطب وغيره, والطوسي في الفلك والحكمة وغيرها, والفارابي في كثير من العلوم العقلية والطبيعية والاجتماعية, والدينوري في الأحياء, وعلى بن عيسي في طب العيون, والرازي في كثير من العلوم الطبيعية ولاسيما الصيدلة, والكندي في كثير من العلوم العقلية والطبيعية وموسى بن ميمون في الطب النفسي وغيرها. وكان معظم هؤلاء يجمعون بين العلوم الطبيعية والعلوم الشرعية والعلوم العقلية والعلوم الإنسانية, ويعدونها امتدادات لبعضها, حتى أطلقوا عليها وصف " العلوم والفنون الإسلامية " وسمي علماؤها "العلماء المسلمين " وكان المتخصص بالكيمياء يسمى عالما كيميائيا وفي الفلك عالما فلكيا , وفي الفقه عالما فقهيا , وفي الحديث عالما محدثا ولم يكن لهذا التألق العلمي ليتحقق بدون الأجواء والمناهج التي وفرتها تعاليم القرآن والسنة.
ما إن استقرت الدولة الإسلامية، وامتد سلطانها من مشارف الصين شرقاً إلى مشارف فرنسا غرباً: حتى أخذ العلماء المسلمون ينهلون من موارد العلم بمختلف فنونه وفروعه، ولم يتركوا باباً في العلم إلا وطرقوه. ومن ذلك:
1. ترجمة الذخائر العلمية، ونقلها إلى العربية من علوم الإغريق والرومان والفرس والهند. وأقيمت دور الكتب والمكتبات، وفتح الخلفاء والأمراء قصورهم للعلم والعلماء. بل تنافس الخلفاء والحكام في رعاية العلم والعلماء.
2. لم يقتصر دور العلماء المسلمين على النقل والترجمة بل تميزوا بأصالة الرأي، واستقلال الفكر، واعتماد المنهج التجريبي في إثبات الحقائق العلمية: من رصد ومشاهدة ومقارنة، وملاحظة وإجراء تجارب، مع الإيمان بحرية القول وضرورة الاجتهاد.
3. استمر العطاء العلمي والفني والأدبي والحضاري للمسلين عشرة قرون، ولولا هذا العطاء لاضطر علماء النهضة الأوربية أن يبدؤوا من حيث بدأ علماء المسلمين.